جريدة ‘النهج’ تستجوب عبد الرحمان النوضة: هل أحزاب اليسار مستعدّة لمراجعة ذواتها؟

 هل أحزاب اليسار بالمغرب مستعدّة لمراجعة ذواتها ؟

نشرت جريدة «النّهج الدّيمقراطي» استجوابا لعبد الرحمان النوضة، وذلك في العدد 196، بتاريخ 15 يونيو 2015. ويمكن قراءة هذا الاستجواب هنا، أو تنزيله:

تنزيل الاستجواب:  استجواب عبد الرحمان النوضة من طرف جريدة ‘النهج’ (ص2).ء.pdf

 هل أحزاب اليسار مستعدّة لمراجعة ذواتها ؟

سؤال الجريدة: نرحّب بالرفيق عبد الرحمان النوضة، ونشكرك على تقبل دعوة الجريدة، التي تنطلق من الاعتبار الذي تكنه للرفيق، كمناضل ميداني يتابع حركة النضال الشعبي ويساهم فيه. فنسألك هل كانت حركة 20 فبراير فاعلة في صيرورة النضال الديمقراطي الشعبي؟ وما الآفاق المحتملة لنضالها في ظل الوضعية التي تعرفها حاليا؟      

جواب عبد الرحمان النوضة : ”حركة 20 فبراير” (ح20ف) اشتعلت في بداية سنة 2011، وجسّدت نقلة نوعية في تاريخ النضال الجماهيري المشترك بالمغرب. وكانت لها تأثيرات عميقة، معقّدة، ومتفاوتة، على مجمل مكوّنات المجتمع. وقد حلّلتُ ميزاتها في كتابي: ”كيف نسقط الاستبداد”. ما هي آفاق ”ح20ف”؟ لا أعرف! لأن مستقبلها يتعلّق بكثير من العناصر المجتمعية، والتي لا أدرك بعدُ كيف ستطوّر. ويظهر كأن ”ح20ف” دخلت في حالة انحلال، أو دوخة، أو سُبات شتوي، منذ سنة 2013. المهم الآن هو، ما هو تقييمنا لِ ”ح20ف”؟ وما هي الدروس المستخلصة منها، في ارتباط بالثورات في تونس، ومصر، وسوريا، واليمن، وليبيا، إلى آخره؟ أنا ناقد، فلا تنتظر منّي مدح الإيجابيات. أهتم أكثر بنقد ما هو ناقص، أو خاطئ. لأن التحليل النقدي، هو المدخل إلى التقدّم. لذا أقول أن ”ح20ف” أثبتت أن القوى التقدمية في المغرب، بما فيها أحزاب اليسار الأربعة، هي ضعيفة أكثر مِمّا نتصوّر، وذلك على مجمل المستويات (الفكر، المنهج، التنظيم، الانضباط، التعبئة، المبادرة، أساليب النضال، الإبداع، التأثير، إلى آخره). وقد أوضحتُ تفاصيل هذا الضعف في مقال بعنوان: ”نقد أحزاب اليسار بالمغرب”. أنا احترم وأقدّر المناضلين، وأحزاب اليسار، التي تكافح بإصرار. لكن هذا الاحترام لا يُبرّر طمس نقط ضعف أحزاب اليسار. اضمحلال ”ح20ف”، يعبّر عن فشل أحزاب اليسار في التّـفاعل مع ظرفية تاريخية نضالية، ملائمة، وممتازة. في البداية، فاجأت ”ح20ف” النظام السياسي، وأخافته، فقدّم بعض التنازلات (الدستور، زيادات في الأجور). لكن الأجهزة المخابراتية والقمعية استرجعت فيما بعد المبادرة، وتدخلّت بترساناتها، فكسّرت ”ح20ف”، وتحكّمت فيها، ثم ساهمت في إخمادها، دون أن تدرك أحزاب اليسار ما الذي جرى. فهل أحزاب اليسار مستعدة لمراجعة ذواتها، ولتقويم ضعفها، ولتصحيح أخطائها؟ هذا هو السؤال المهم. وإذا لم يُنتج مناضلو أحزاب اليسار الأجوبة الملائمة على هذا السؤال، فلن يقدر أحد على أن ينوب عنهم في ذلك. البعض يدّعي أن أوضاع أحزاب اليسار عادية، أو سليمة. بينما أنا أدّعي أنها في أزمة خانقة، ومرتبطة بأزمة مجتمعية شاملة. فإما أن أحزاب اليسار ستُقْدِم بجرأة على إنجاز ثورة ثقافية، أو ”قطيعة معرفية” (rupture épistémologique)، في مجمل مقوّماتها، وإما أنها قد تموت دون أن تؤثر في تاريخ المغرب.      

الجريدة: شكل اليسار المناضل  أحد أهم   مكونات ”ح20ف”، لكن وضعية التشتت التي يعاني منها تنعكس سلبيا على قوة نضاله من أجل نظام ديمقراطي.  هل يرتبط هذ التشتت بعوامل موضوعية تستوجبه؟

ع. النوضة: «تشتّت» قوى اليسار مرفوض، وغير مبرّر. وهذا «التشتّت» ليس سببًا، وإنّما هو نتيجة لأزمة أحزاب اليسار التي ذكرتُها سابقًا. ولم تساهم أحزاب اليسار في ”ح20ف” بالقدر المطلوب، أو الممكن. ومناضلو أحزاب اليسار الذين كانون يشاركون بفعالية في ”ح20ف”، كانوا يفعلون ذلك كاجتهاد شخصي. أمّا أحزاب اليسار كأحزاب، فكانت تقريبا غير مبالية بِ ”ح20ف”. كان هناك انفصام بين خطاب أحزاب اليسار حول ”ح20ف” ومساهمتها الفعلية فيها. كانت أحزاب اليسار تمجّد ”ح20ف” في الخطاب، بينما في الواقع كانت تُهملها نسبيا. 

الجريدة: وما هي الآليات الكفيلة بتحقيق وحدة اليسار؟

    ع. النوضة: أنا أقدّر حزب النّهج، مثلما أقدّر أحزاب اليسار الأخرى، لكن تقديري هذا لا يمنعني من أن أنتقدها. أعتبر أن حزب النهج لا يتوفّر على أي مبرّر معقول لعدم المشاركة في ”فدرالية أحزاب اليسار”. وحزب النّهج هو الذي يحمل الرّؤية الأكثر تعصّبا، أو تشدّدا، في مجال بناء جبهة قوى اليسار بالمغرب. والتفاوتات السياسية الموجودة حاليا بين أحزاب اليسار الأربعة لا تبرّر نهائيا رفض أو تأجيل تشييد الجبهة، أو التحالف، أو التنسيق. لنتساءل: ما معنى الجبهة؟ الجبهة هي بِبساطة وعاء تنظيمي لتسهيل النضال المشترك. ودينامية هذا النضال المشترك، هي وحدها التي ستحدّد، في المستقبل، هل هذه الجبهة ستتحوّل إلى وحدة اندماجية، أم أنها ستبقى مجرد تنسيق بين أطراف غير متجانسة. يجب التخلّص من الفكرة الماركسية التقليدية حول «الطّليعة» في مجال النضال المشترك! فبقدر ما يطمح فاعل سياسي داخل الجبهة إلى أن يكون ”طليعيا“، بقدر ما يميل إلى الهيمنة، أو القسوة، أو التشدّد، ثم الطّلاق، ثم التّشرذم. على خلاف ذلك، الفاعل السياسي الواعي بالحاجة الحيوية والتاريخية للنضال المشترك، هو الذي يقبل بأن يكون متواضعا داخل الجبهة. لأن الغاية هي إنجاح النضال المشترك، وليست هي قيادته، أو الهيمنة عليه. والشرط الأساسي لإنجاح الجبهة، هو أن يكون هدف كلّ فاعل داخل الجبهة، ليس هو تغليب حزبه أو رأيه، وإنما هو إنجاح النضال الجماهيري المشترك. السّر في نجاح الجبهة، هو مثل السّر في نجاح الزّواج، أو المقاولة المشتركة. وهذا السّر هو أن يكون كل طرف في الجبهة مَرِنًا، متواضعا، ومقتنعا بضرورة التعاون والتكامل. وأن يكون متحلّ بثقافة واسعة، وبوعي ثاقب، وبرؤية شمولية. السّر في نجاح الجبهة هو أن لا يشترط أي طرف فيها التشابه، أو المساواة، أو الانسجام، بين مكوّنات الجبهة. ونجاح العمل الجبهوي يفترض قبول كل طرف في هذه الجبهة بأن يبذل مجهودات أو تضحيات أكثر من شركائه، وأن يجني أقلّ من حلفاءه. بدون هذه الخصال، تستحيل الجبهة، أو الوحدة، أو التحالف، أو حتّى التنسيق. والخاسر النهائي هو الشعب.          

الجريدة:  تعرف الساحة العمومية اشتداد الهرولة في سباق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة وضرورة أجوبة لليسار بخصوص التعامل مع هذه الانتخابات، فهل يمكن  لليسار أن يستفيد في تحقيق مبادئه،  من الانخراط فيها في ظل دستور رفضه  ؟ وهل يمثل رفض الانخراط  موقفا يقوي اليسار تجاه المخزن؟    

ع. النوضة: مبرّر المشاركة في الانتخابات ليس هو جودة الدستور. ومهما كان الدستور استبداديا، أو المؤسسات شكلية، أو مغشوشة، فإن المشاركة فيها تبقى ضرورية. المشاركة في الانتخابات هي آلية من بين آليات العمل السياسي، ولو بعدد ضئيل من المقاعد. وكل حزب يرفض المشاركة في الانتخابات المحلية، أو البرلمانية، هو مخطئ تماما. وكل حزب لا يشارك في التدبير المحلّي، أو في النقاشات البرلمانية، يصعب عليه التأثير في الحياة السياسية، أو معرفة ما يجري في البلاد. وجزء هام من التواصل مع الجماهير يمرّ بالضرورة عبر هذه القنوات. قد يقول قائل أن هذه المشاركة يمكن أن تجلب إلى الحزب حشدا من الأعيان، أو الانتهازيين، الرّاغبين في استثمار صفتهم التمثيلية لتنمية مصالحهم الشخصية؛ لكن الحل، في مثل هذه الحالة، هو أن يتّخذ الحزب الإجراءات الكفيلة بمحاربة هذه الظاهرة، لا أن يقرر المقاطعة. وكل حزب يقاطع باستمرار الانتخابات المحلية والبرلمانية يتحوّل إلى نوع من ”الزاّوية“ الصّوفية التي تصبح منعزلة عن المجتمع، وعن ما يجري داخله. وما يتمناه النظام السياسي القائم من خصومه الجذريين هو بالضبط أن يقاطعوا الانتخابات، أو أن ينعزلوا عنها، أو أن يسلكوا سياسية ”الكرسي الفارغ“. 

! شارك في النقاش عبر كتابة تعليقك

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.