مقال «حول مصر : نعم للثورة ضد استبداد الإخوان المسلمين، ولا لإقامة استبداد العسكر» (عبد الرحمان النوضة). ء

 مقال : «حول مصر : نعم للثورة ضد استبداد الإخوان المسلمين، ولاَ لإقامة استبداد العسكر» (عبد الرحمان النوضة). ء

Image.révo.égypt.30janv2013.élargie

أشكر السيد المحترم عبد المالك الجناتي على تعليقه[1] على وثيقتي التي تحمل عنوان: «مصر 2013: شرعية الانتخابات أم شرعية الثورة». لم أر تعليقه إلاّ بشكل متأخر. ورغم مرور شيء من الوقت، أجيبه كما يلي: ء

1) هذه الوثيقة المذكورة أعلاه كُتبت تقريبا إبّان سُخونة أحداث مصر في 30 يونيو 2013 التي أطاحت بحكم «الاخوان المسلمين». حيثُ لم تتّضح آنذاك بعدُ كل الأمور. وبعض الجوانب التي أشار إليها عبد المالك الجناتي لم تتّضح إلاّ فيما بعد. ء

2) كان الغرض الأساسي من هذه الوثيقة المذكورة هو الرّد على أنصار «الاخوان المسلمين»، الذين كانوا يزعمون أن كون الرئيس السابق «الإسلامي» محمد مرسي ومن معه منتخبين من طرف الشعب، يعطيهم شرعية مطلقة أو أبدية، وأنه لا يحق لأحد، بما فيه الشعب، أن ينتقدهم، أو أن يثور ضدهم. وعلى خلاف ذلك، توضّح الوثيقة أن الشعب المصري ثار ضد حكم «الاخوان المسلمين»، وأسقطهم نظامهم السياسي المستبد، مثلما أسقط نظام حسني مبارك المستبد، وأنه من حق الشعب أن يسقط حكم «الإخوان المسلمين»، تماما مثلما أسقط حكم حسني مبارك. ء

3) بعد مرور الوقت، يتضح اليوم أن أحداث 30 يونيو 2013 في مصر هي أحداث مركّبة، حيث تحتوي على عدّة أشياء متباينة، وتتكوّن على الأقل من شيئين اثنين : أ) ثورة شعبية ظاهرة وعارمة، أرادت إسقاط النظام السياسي «الاسلامي» والمستبد الذي أقامه «الإخوان المسلمون». ب) ثورة مضادة خفية، تقودها مؤسّـسة الجيش، وتنخرط في إسقاط حكم «الاخوان المسلمين»، وتريد في نفس الوقت الرّكوب على الثورة بهدف إيقاف، أو إلغاء، السيرورة الثورية التي بدأت في يناير 2011. وهاتان الثورتان تتداخلان فيما بينهما، وتـتنافس وتتصارع كل واحدة منهما مع الأخرى. ء

4) إبان أحداث 30 يونيو 2013 في مصر، ظن الشباب الثّائر أن الجيش جاء إلى جانبهم لكي يناصرهم. لكنه تبيّن فيما بعد أن الجيش ناصر هذه الثورة لكي يستولي عليها، ثم لكي يحرّفها عن مجراها الأصلي، ولكي يحوّلها إلى ثورة مضادة تُعيد حكم العسكر. وذلك تماما مثلما فعلت حركة «الاخوان المسلمين»، التي إلتحقت هي أيضا بشكل متأخّر بالثورة في 2011، وفرضت تحويلها من (ثورة من أجل الديموقراطية) إلى (ثورة من أجل الشريعة الإسلامية). ء   

5) لقد أدركت قيادة الجيش أن ثورة يناير 2011، لم تكن فقط ثورة ضد حكم حسني مبارك، وإنما كانت أيضا ثورة ضد حكم العسكر، وضد حكم الجيش. فأقدمت مؤسسة الجيش على التحالف مع مجمل البرجوازية المصرية الكبيرة، والمتوسطة، والصغيرة، بهدف إيقاف سيرورة الثورة، وإعادة السلطة المطلقة لقيادة الجيش. ء  

6) الفئات التي كانت سبّاقة إلى شنّ ثورة 30 يونيو 2013 هي خصوصا فئات الشباب الثوري، وجماهير العمال، والحرفيين، والمأجورين الصغار، وكل الجماهير التي أدركت أن حزب «الاخوان المسلمين» استولوا على ثورة يناير 2011، وحرّفوها عن مسارها الأصلي. لكن سرعان ما التحق بهذا المد الثوري جماهير أخرى تتكوّن من مجمل الشرائح التي تضرّرت من استبداد ونفاق «الإخوان المسلمين».  ء 

7) كل التجارب الماضية ما بين سنة 1960 و 1914 (في مصر، والسودان، والصومال، واليمن، والجزائر، وسوريا، والعراق، وكذلك في بلدان أخرى مثل اسبانيا، واليونان، والشيلي، والأرجنتين، إلى آخره) كلها تؤكّد أن الجيش، ومهما كان وطنيا أو متحمّسا، فإنه يبقى غير مؤهّل لممارسة السياسة، وغير كفء لتسيير الدولة، أو لتدبير الاقتصاد. وكلّما تدخّل الجيش في السياسة، أو سيطر على الدولة، أو على الاقتصاد، فإن نتائج ذلك التدخّل تكون دائما هي الأزمة، ثم الاستبداد، ثم الافلاس. فيصبح هكذا الجيش فاشلاً على جميع الأصعدة، أي في السياسة، وفي الدفاع الوطني. لأن دور كل جيش هو الدفاع الوطني، وليس هو الحكم السياسي، أو التدبير الاقتصادي. ومهمة الجيش الأساسية هي مهنة الحرب، والتركيز على تهييء الدفاع عن التّراب الوطني واستقلاله، وذلك تحت إمرة السلطة التنفيذية المنتخبة ديمقراطيا. ء  

8) إذا كان موقف السيد الجناتي هو معارضة حكم العسكر في مصر، ومعارضة استبداد مؤسسة الجيش، ومعارضة الرّدة اليمينية التي أتى بها الجيش، فأنا أسانده تماما. وإذا كان السيد الجناتي ضد الثورة التي أطاحت بالنظام السياسي الذي أقامه حزب «الاخوان المسلمين»، فأنا أخالفه، وأضيف أن حكم «الاسلاميين» ليس مقدسا، في أي بلد كان، وأنه من حق الشعب أن يثور ضد «الإسلاميين»، أو ضد غيرهم، ولو كانوا منتخبين. لأن سيادة الشعب هي أعلى وأولى من الشرعية المكتسبة من خلال انتخابات فائتة. ومصلحة الشعب المصري تكمن اليوم في انسحاب الجيش إلى ثكناته، وفي الرجوع إلى سيرورة ثورية، متحرّرة من استبداد «الاخوان المسلمين»، لكي تبني سلميا، وبالتدريج، نظاما سياسيا ديمقراطيا، مثلما يحدث الآن في تونس. ء

9) يجب أن ننتبه إلى أن الحركات «الإسلامية» تختلف في أشكالها، أو في خطاباتها المرفوعة مرحليا، لكن جوهرها العقائدي واحد. فكل الحركات ”الإسلامية” تحمل منظومة فكرية دينية مقدّسة، مطلقة، ومغلقة، وجامدة، وغير قابلة للنقاش أو للتّطوير. وتريد فرض الفكر الواحد المطلق، وبواسطة العنف، والإرهاب. ولا تتوفر الحركات «الإسلامية» على أي برنامج سياسي سوى «الشريعة الإسلامية». وتريد فرض تطبيق «الشريعة الإسلامية» بالقوة. وتريد تسخير المواطن للعبادة فقط. وكل الحركات «الإسلامية» تؤدي حتما إلى الاستبداد الدّيني، والفكري، والسياسي. وتؤدي دائما، وفي آخر المطاف، إلى الحرب الأهلية. وهو ما حدث، أو يحدث، في كل من : أفغانستان، وباكستان، والعراق، والصومال، والسودان، وسوريا، وليبيا، واليمن، والجزائر، إلى آخره. وهو ما قد يحدث أيضا في المستقبل في المغرب إن استمرت الأمور كما هي اليوم. فلا خلاص إلاّ عبر فصل الدّين عن الدولة، وعبر فصل الدّين عن السياسية. ء

عبد الرحمان النوضة (‏الخميس‏، 23‏ أكتوبر تشرين الأول 2014). ء   

[1]   كتب عبد المالك الجناتي على ”الفيسبوك” : هاهي قد مرت الان ثلاثة اسابيع على الثورة المزعومة فهل لا زالت تبدو لك ثورة يا استاذ عبدالرحمن ام هي عودة نظام مبارك بحذافيره ورجال امنه المتمرسين علي التعذيب وهتك اعراض المساجين وتزوير الانتخابات ومحاربة لارهاب الفلسطيني طبعا. مع كامل احترامي فان مقالتك تبريرية ومتحيزة لاسباب ايديولوجية صرفة ولا تمت باي صلة للتحليل السياسي الذي هو ابعد عن ان يشتق فقط من القناعات الشخصية … النظام في مصر كان لازال مباركيا ولم يكن اخوانيا الا من جهة المناصب السياسية التي احتلها اخوانيون اما من حيث البنية السلطوية فلازالت مباركية عذراء. ء

1 Comments

! شارك في النقاش عبر كتابة تعليقك

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.